**مقاومة غزة- صمود بين تحديات الواقع وتطلعات المستقبل**

المؤلف: د. أحمد العطاونة11.19.2025
**مقاومة غزة- صمود بين تحديات الواقع وتطلعات المستقبل**

هذا المقال هو عبارة عن حوار مع الأستاذ منير شفيق، يتناول بالتفصيل مقالته القيّمة "المقاومة بين السلبيات والإيجابيات"، والتي نُشرت على موقع الجزيرة نت في 28 يناير/كانون الثاني 2024. جاءت مقالة الأستاذ شفيق ردًا على مقالتي التي نُشرت على نفس الموقع تحت عنوان "ثغرات لا بدّ من سدّها في جدار الصمود الفلسطيني في غزة"، وذلك في 17 يناير/كانون الثاني 2024.

يستهل الأستاذ منير شفيق مداخلته بالاعتراض على توصيف الوضع الراهن في قطاع غزّة بأنه حالة صمود، ويرى أنه بالأحرى "حالة هجوم إستراتيجي، قد يشكل تمهيدًا لهجوم شامل". وعلى الرغم من احترامي لرأيه، إلا أنني ما زلت أؤمن بأن وصف "الصمود" هو الأدق والأكثر ملاءمة للتعبير عن حقيقة ما يجري في فلسطين عمومًا، وفي قطاع غزة على وجه الخصوص.

صحيح أن المعركة قد بدأت بعملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/تشرين الأول التاريخي، وهو هجوم استثنائي بكل المقاييس في سياق المقاومة الفلسطينية. وقد تناولتُ هذا الهجوم في مقال نُشر على الجزيرة بتاريخ 9 أكتوبر/تشرين الأول، تحت عنوان: "معركة طوفان الأقصى.. المقاومة الفلسطينية تضع الأمور في نصابها". إلا أن المشهد، بعد أن شنّ الكيان الصهيوني حربه الشعواء على الشعب الفلسطيني، معلنًا أهدافه المحددة: "القضاء على المقاومة واجتثاثها من جذورها، وضمان عدم تكرار هذا الهجوم مجددًا، واستعادة الأسرى لدى المقاومة"، بل وتجاوز ذلك إلى محاولة تهجير قسري للشعب الفلسطيني من قطاع غزة، تحوّل بوضوح إلى حالة حرب إبادة جماعية، يواجهها شعبنا ومقاومته بصمود أسطوري لا مثيل له.

إن الهدف الجليّ للمقاومة، والذي لا يحتاج إلى تنقيب وبحث مضنيين، هو دعوة كافة أطياف الشعب الفلسطيني في كل مكان إلى تطوير أدائها، والعمل بكل ما أوتيت من قوة للانخراط في المعركة، وحث القيادات والفصائل الفلسطينية على بذل قصارى جهدها للارتقاء بهذه المشاركة.

إن معيار الفوز في هذه المعركة هو الصمود والثبات وإفشال مخططات العدو، ومنعه من تحقيق أهدافه الخبيثة. بل إن وصف الأستاذ منير للمعركة بأنها "هجوم إستراتيجي" يضع المقاومة والشعب الفلسطيني أمام تحديات جسام، واستحقاقات تفوق قدرة الشعب الفلسطيني في ظل الظروف الإقليمية والدولية الراهنة.

علاوة على ذلك، فقد صرحت المقاومة وقيادتها مرارًا وتكرارًا بأن هدفها الأساسي هو وقف العدوان الغاشم، وأن معركة "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/تشرين الأول جاءت كرد فعل على السياسات الفاشية التي تنتهجها الحكومة الصهيونية الحالية، ولإيقاف مشاريعها التوسعية تجاه الأقصى والفلسطينيين في الضفة الغربية، وقطع الطريق أمام مخططات التهجير القسري.

وهذا يعني في جوهره دعم صمود الشعب الفلسطيني، ومنع الانقضاض عليه وعلى حقوقه المشروعة، وصولًا إلى تهجيره القسري كما هو وارد في "خُطة حسم الصراع" التي نشرها الوزير المتطرف بتسلئيل سموتريتش.

إن الهدف الأسمى للمقالة التي هي محور النقاش، والذي يؤمن كاتبها بأنه واجب الوقت الراهن، هو وضع الجميع أمام مسؤولياتهم التاريخية، وعدم البحث عن أعذار واهية لتبرير ضعف موقف أي طرف كان، لأن حجم المعركة وطبيعة أهدافها التي وضعها الاحتلال هي أهداف تاريخية ومصيرية، وتشكل تهديدًا وجوديًا ليس فقط للمقاومة والشعب الفلسطيني في غزة، بل للقضية الفلسطينية برمتها.

وإنّ التمحيص والتدقيق في الثغرات الموجودة في جدار الصمود الفلسطيني، سعيًا إلى رتقها وسدها كما هو مذكور في عنوان المقالة، وبعد مرور كل هذا الوقت العصيب على المعركة، وبعد سقوط ما يربو على (32,000) شهيد، وإصابة أكثر من (65,000) جريح، وتدمير معظم منازل القطاع وبنيته التحتية والمدنية، هو واجب مقدس على عاتق كل غيور على القضية والمقاومة ومشروعها التحرري. ولا يتعارض هذا إطلاقًا مع الإشادة بصمود شعبنا الأبي ومقاومته الباسلة واستبسالهما في الدفاع عن أرضهم وعرضهم.

أما فيما يتعلق بسلبيات جبهة العدو، ونقاط ضعفه الجلية وحجم الضربة الإستراتيجية الموجعة التي تلقاها، فقد تناولها الكاتب بالتفصيل في مقالات سابقة منشورة على موقع الجزيرة، وهي ليست محور تركيز المقالة الحالية ولا موضوعها الأساسي. وليس من الضروري أن يتناول أي كاتب يتابع أحداث الحرب بشكل يومي جميع جوانبها في كل مقالة يكتبها.

يرى الأستاذ منير في مقالته أن الحديث عن القدرة والإرادة اللازمة للاستثمار الأمثل في المعركة، بما يخدم مصالح المنطقة ويحول بينها وبين حقبة جديدة من الهيمنة الأميركية، قد يكون موجهًا إلى قيادة المقاومة، وليس إلى الحكام والقيادات العربية والإسلامية.

وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال جوهري: كيف يمكن تفسير هذه الإشارة على أنها موجهة إلى قيادة المقاومة؟ وهي تتحدث بوضوح عن استغلال هذه اللحظة التاريخية لتغيير الواقع العربي والإسلامي والتخلص من براثن الهيمنة الأجنبية. كيف يمكن أن تكون قيادة المقاومة معنية بالحديث عن الهيمنة وتغيير الواقع العربي والإسلامي؟!

ثم يستطرد الأستاذ منير قائلًا: "ثم لاحظوا المطلوب من هذه "الإرادة الكافية" بأن تغيّر "الواقع السياسي للعديد من الدول العربية والإسلامية…" ولإطلاق "بداية النهاية لحقبة من الهيمنة والاستعمار والعربدة في المنطقة كلها". مما يعني أن توفير هذه "الإرادة" هو أمر عسير، بل مستحيل؟!".

وهنا أتساءل بدوري، ما وجه الاستحالة والتعجيز في مطالبة الدول والشعوب في المنطقة بالاستثمار في هذه المعركة المصيرية للتخلص من الهيمنة الأجنبية؟ ثم إذا كان هذا الأمر غير ممكن من وجهة نظره على مستوى الأمة بمختلف مكوناتها، فكيف يمكن لهذه المعركة، في ظل هذا العجز العربي والإسلامي، أن تكون هجومًا إستراتيجيًا؟!

وفي معرض نقاشه موضوع "عدم انخراط المكوّنات الفلسطينية كافة في المعركة: الضفة الغربية، وأراضي الـ48 والشتات الفلسطيني" بالمستوى الذي من شأنه أن يحدث تغييرًا جوهريًا في مسار المعركة، يعتبر الأستاذ منير ذلك حكمًا مجحفًا بحق الضفة الغربية وفلسطينيي الـ 48.

ولكن لماذا تم تجاهل هذا النص تحديدًا من المقالة، والذي يحث على تطوير الموقف ولا يغفل عنه، حيث تقول المقالة بوضوح: "حيث ما زالت مساهمة هذه المكونات في المعركة محدودة ولا ترقى إلى المستوى المطلوب الذي يجعلها تساهم مساهمة مباشرة وفاعلة في تحقيق إنجاز وطني فلسطيني نوعي، مع أن طول أمد المعركة ينبغي أن يشكل حافزًا ومبررًا موضوعيًا لهذه المكونات للانخراط في المعركة، بغضّ النظر عن الآليات والوسائل والأدوات، بما يراعي ويتلاءم مع طبيعة كل منطقة جغرافية وكل مكوّن فلسطيني".

وهذا يعني بعبارات واضحة حث الفلسطينيين على عدم الاستسلام للواقع الراهن، والتأكيد على أن الفرصة لا تزال سانحة لتطوير أدائهم، والمساهمة بشكل أكثر فاعليّة في هذه المعركة المصيرية، وهو ما دعت إليه المقاومة وقيادتها العسكرية والسياسية مرارًا وتكرارًا خلال هذه الحرب.

إن الهدف الجليّ والواضح، الذي لا يحتاج إلى بحث وتمحيص مضنيين، هو دعوة كافة مكونات الشعب الفلسطيني في كل مكان إلى تطوير أدائها، والعمل بكل الوسائل المتاحة للانضمام إلى المعركة، وحث القيادات والفصائل الفلسطينية على بذل قصارى جهدها للارتقاء بهذه المشاركة.

وأي تحليل أو شعار لا يمكن أن يكون أشد قسوة على المقاومة والشعب الفلسطيني في غزة من الواقع المرير القائم، واللحظة الراهنة لا تسمح بتجميل المواقف أو تزيينها، ولا تحتمل صياغات منمّقة للتخفيف من وطأة ضعف المواقف، ومحدودية تأثيرها.

كما يعتقد الأستاذ منير بأن مناقشة ما اعتبرته المقالة أزمة تاريخية مرتبطة بعدم انخراط المكوّنات الفلسطينية كافة في المعركة بالشكل المأمول، هو "تعجيز فوق تعجيز".

فهل وجود أزمة مزمنة يعني الاستسلام لها وإعلان العجز عن التعامل معها، رغم أنها تؤثر بشكل جوهري على الأداء الفلسطيني العام؟! وهل لفت الانتباه إلى هذه الأزمة في إطار الحث على تجاوزها وإبراز خطورتها على الموقف الحالي يشكل تعجيزًا؟! أم أنه وضع للأطراف الفلسطينية في الجغرافيات الأخرى أمام مسؤولياتهم التاريخية، وتحذيرٌ لهم من مغبة الركون إلى الصيغ السابقة التي ألحقت أضرارًا جسيمة بمسارات القضية الفلسطينية والحركة الوطنية.

وكيف تجاوز الأستاذ هذا النص الوارد في المقالة: "إن حديثَ الاحتلال عن المرحلة الثالثة من الحرب والتي يمكن أن تستمرّ لأشهر أو أكثر، يفتح المجال أمام انخراط الفلسطينيين في كلّ مكان في موجة مقاومة طويلة مع الاحتلال تشبه الانتفاضة الثانية "انتفاضة الأقصى"، يمكن أن تقود إلى هزيمة الاحتلال وإنجاز بعضٍ من الحقوق السياسية الفلسطينية، وتدفع العالم للإقرار بضرورة حلّ القضية الفلسطينية، وأنه لا يمكن لأحد أن يتجاوز الفلسطينيين وقضيتهم."

ينتقد الأستاذ منير الحديث عن العجز في الأداء القيادي الرسمي الفلسطيني "قيادة م ت ف والسلطة الفلسطينية"، والحث على ضرورة تغيير هذا السلوك بما يتلاءم مع المعركة ومتطلباتها، وحجم الضرر المترتب على الانقسام الفلسطيني في هذه اللحظة المفصلية من تاريخ الشعب الفلسطيني.

بل يذهب بعيدًا، ومخالفًا لموقف كل الفصائل الفلسطينية وقياداتها، بمن فيها فصائل المقاومة، وكذلك قوى المجتمع المدني الفلسطيني ومؤسساته المختلفة، التي عملت دون كلل للخروج من الانقسام؛ إدراكًا منها لخطورته على القضية الفلسطينية، ولحجم الضرر الذي يلحقه بالقضية الفلسطينية، حين يتحدث بإيجابية عن الانقسام، ولا يعتقد بضرره على المقاومة والنضال الوطني، ويرى في التركيز على مخاطر الانقسام "تهويلًا".

ولكن، حتى لو عجز الفلسطينيون عن حل هذه المعضلة طوال السنوات الماضية، ألا ينبغي الاستثمار في لحظة استثنائية لإنجاز ما عجزوا عنه سابقًا؟! وهل يمكن، وهل الحكمة والمنطق يتطلبان، القبول بهذا العجز في الأداء السياسي الرسمي؟! وهل نقده يشكل إحباطًا للحالة الوطنية؟ وهل تسليط الضوء على خطورة هذا الأداء والحثّ على تغييره أمر مرفوض؟

إن الانقسام الفلسطيني كان وما زال نقطة ضعف وطنية، وأزمة لا بد من معالجتها، وتزداد الحاجة لذلك إلحاحًا كلما ازدادت المخاطر التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية، وإن إدراك القيادات السياسية والفكرية ونشطاء الشعب الفلسطيني حجمَ المخاطر المترتبة على هذا الانقسام هو ما دفعهم لبذل كل الجهد للخروج منه.

وما لقاءات واتفاقات المصالحة الكثيرة، وإصرار قيادات الفصائل كافة، وبالذات قيادة فصائل المقاومة، على تجاوز الانقسام إلا لإدراكهم مخاطرَه الجسيمة.

فاستمراره يلحق ضررًا بالغًا بالقضية الفلسطينية، ولا يمكن أن يكون إيجابيًا أو يترتب عليه مصالح. حتى وإن نجحت فصائل المقاومة في استثمار بعض الفرص الجانبية الناجمة عنه. ونحن نرى اليوم، وفي ظل المعركة الضروس، إلى أي مدى يستثمر الاحتلال ومن خلفه الولايات المتحدة فيه، ويعملون بكل السبل المتاحة لاستمراره.

كما أن الاستنتاج الذي خرجت به مقالة الأستاذ منير، والذي يعتبر أن "التهويل بموضوع الانقسام، يؤدي، عمليًا، بوضع طرفيه في سلة واحدة"، لا يوجد ما يدعمه على أرض الواقع، خاصة أنه بات معلومًا لدى جميع المتابعين للشأن الفلسطيني أن قيادة السلطة هي من أحبطت المحاولة الأخيرة والأكثر جدية للخروج من الانقسام البغيض، والمتمثلة في محاولة إجراء الانتخابات العامة عام 2021م. ولم تعد المسؤولية عن استمراره موضع نقاش وجدال عند غالبية النخب والفصائل الفلسطينية.

ثم كيف يمكن للأستاذ أن يتجاهل هذه الدعوة الصريحة التي تحدّد بوضوح من يقصّر ومن ينبغي عليه التحرك العاجل، حيث يرد في المقالة قيد النقاش: "وأين القوى والفصائل والنقابات والاتحادات الفلسطينية من هذا الأمر؟، لماذا لم نشهد أيَّ تحرك حقيقي وضغط جاد لإنجاز الوحدة الوطنية، وللمساهمة الفعالة في حماية الشعب الفلسطيني ومقاومته ومنجزاته المحتملة من هذه المعركة المصيرية؟"

ويعترض أيضًا الأستاذ منير على الحديث عن عجز الأمة العربية والإسلامية، بمكوناتها المختلفة، عن وضع حد لهذا العدوان الغاشم، ولا أعلم كيف تم وضع الخذلان الناتج عن العجز والضعف في نفس خانة "الخيانة"، واستنتج أن الحديث عن ضعف أداء الأمة هو عامل مثبّط للهمم، ولا ينبغي إبرازه وتسليط الضوء عليه.

وكأن المقالة كشفت عن سر دفين لا يعلمه أحد، ولا يدركه الصغير والكبير، ولا تضج به وسائل الإعلام المختلفة، ولا يصدر عن لسان كل صوت يخرج من حناجر النساء والشيوخ والأطفال في غزة. ألم تسمع الدنيا بأسرها صرخات الضحايا في غزة وهي تستنجد قائلة "أين العرب، وأين المسلمون؟!".

نعم، هذه الأمة تعجز للأسف عن تقديم الدعم المطلوب على الأقلّ في الشقّ الإنساني منه، في حين تحدت دولة جنوب أفريقيا الأبية كل النظام الدولي المهيمن والهيمنة الغربية المتغطرسة، ووقفت بكل صلابة وعنفوان إلى جانب الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، معرضة مصالحها لمخاطر جمة.

وممّا ورد في صلب المقالة محذرًا من التداعيات الخطيرة لعجز العالم العربي والإسلامي عن نصرة فلسطين: "لقد استبشر البعض خيرًا باجتماع منظمة التعاون الإسلامي، لكن سرعان ما تبدد هذا الرجاء. هذا العجز المزري الذي يظهره العالم العربي والإسلامي، إن استمر على حاله فسيكون العالم العربي والإسلامي أمام حقبة جديدة من الهيمنة الأميركية والعربدة الصهيونية التي قد تستمرّ لعقود قادمة".

ثم أخيرًا وليس آخرًا، ما علاقة خيرية الأمة التي تحدث عنها القرآن الكريم، والتي أوردها الأستاذ في مداخلته، بضعف أدائها المتردي في هذه الحرب الشعواء؟! وهل خيرية الأمة تنفي عنها الضعف في محطات تاريخية معينة وتجاه قضايا مصيرية محددة، وكيف يمكننا فهم وتفسير محطات التراجع والضعف التي شهدها تاريخنا الإسلامي الزاهر؟!

ثم هل المطلوب حتى لا نخدش مشاعر الأمة وأنظمتها أن يستمر قتل الفلسطيني بصمت وسكينة، وهل الخوف المفرط على مشاعر البعض يستلزم عدم الصراخ والتعبير عن الألم والمرارة، وهل المطلوب من الفلسطيني المكلوم ألا يبثّ آلامه وشكواه لكي لا يمسّ مشاعر إخوانه القابعين في صمت القبور؟!

ويخلص الأستاذ منير في نهاية المطاف إلى أن الحديث عن الخذلان قد يفضي إلى ذات الشعار الفلسطيني السابق "يا وحدنا"، الذي يعتقد جازمًا أنه أوصلنا إلى اتفاقية أوسلو المشؤومة.

لكن الجميع يعلم علم اليقين أن مسار أوسلو الكارثي، والتنظير للاعتراف بـ"إسرائيل" لدى عدد من فصائل منظمة التحرير الفلسطينية قد سبق أوسلو بعهود طويلة، وسبق انهيار وغياب الدول العربية المركزية، وأنه جاء كنتيجة حتمية لعوامل متشابكة عديدة، لسنا الآن بصدد الخوض فيها. وأن برنامج النقاط العشرة الذي مهد الطريق أمام أوسلو كان في بداية السبعينيات من القرن المنصرم.

ويدرك جميع المتابعون للشأن الفلسطيني عن كثب أن الغالبية العظمى من الفصائل والنخب الفلسطينية قد نفضت يديها تمامًا من أوسلو والحلول الجزئية الترقيعية، وأن ثلاثين عامًا عجافًا من التسوية لم تجلب سوى المزيد من السراب والوهن والضعف.

ختامًا، أود أن أشكر الأستاذ منير جزيل الشكر على إيضاحه القيّم بأنه لا يمكن إعداد الإنسان الفلسطيني المقاوم والاستثنائي الذي تحدثت عنه المقالة، إلا بوجود قيادة حكيمة وجادة، وصادقة ومؤمنة إيمانًا راسخًا بمشروعها النضالي ومقاومتها الباسلة، وذلك على الرغم من أنني أستبعد أن يتجرأ أحد على تفسير الإشادة بالجندي الباسل على أنها تنفي الإشادة بقيادته الاستثنائية أيضًا.

وهل افترضت المقالة يومًا أن هؤلاء الأبطال المغاوير قد أتوا من كوكب آخر وتسلّلوا خلسة إلى غزة المحاصرة؟! وهنا أتوجه بدعوة صادقة إلى القارئ الكريم بالرجوع إلى مقالات سابقة منشورة على موقع الجزيرة-نت للاطلاع عن كثب على الرأي الصريح في المقاومة الفلسطينية وقيادتها الفذة وتخطيطها المحكم لعملية 7 أكتوبر/تشرين الأول البطولية، والذي كتب بعد يومين فقط من انطلاق المعركة.

ومما جاء فيه: "إننا اليوم أمام نموذج فلسطيني مقاوم فريد ومختلف بكل المقاييس، وإن المقاومة الفلسطينية الباسلة بقيادة كتائب الشهيد عز الدين القسام تشكل حالة فلسطينية غير مسبوقة على الأرض الفلسطينية المحتلة، فهي جادة وصادقة ومؤمنة تمامًا بما تفعل، وعاقدة العزم والنية الصادقة على التحرير الكامل، ولا يظهر عليها في هذا الطريق أي بادرة تردد أو تهاون. وهو ما جعل جموع الفلسطينيين في كل مكان يلتفون حولها بحب وتأييد، ويهتفون بأصوات عالية باسمها وباسم قائدها الملهم.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة